1- أدواته ومعناه الأصليّ:
1."قال الأصمعي: حجت أعرابيةٌ ومعها ابنٌ لها، فأصيبت به، فلمّا دُفِن قامت على قبره، وهي مُوجَعَة فقالت: واللّه يا بنيّ لقد غَذَوْتُك رضيعاً، وفقدتُك سريعاً..أي بني! لقد سَحَبَتِ الدنيا عليك أذيال الفناء، وأسكنتك دارَ البِلَى، ورمتني بعدك نكْبَةُ الرَّدَى..."
2.الكونُ مُصغٍ، ياكواكبُ، خاشعٌ
طال انتظاري، فانطقي بِجواب "! (الشابي)
3.أيا ريح الشمـال أما تريني
أهيم وأنني بادي النحول(جميل)
4.قال تميم بن جميل السدوسي للمعتصم:" أيا أمير المؤمنين: جبر الله، بك صَدْعَ الدَّين، ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين.. إن الذنوبَ تُخْرِسُ الألسُن الفصيحة، وتُعْيِي الأفئدَة الصحيحة."
5.قال ابن المعتز في القاسم بن عُبيد الله:
أيا حاسداً يكوي التلـهـفُ قـلـبَـهُ
إذا ما رآه غازياً وَسْطَ عَـسْـكَـرِ
يا بنيّ:جملة نداء=أداة نداء[ يا ]+منادى[بنيّ].
طلب المتكلّم في كلِّ واحدٍ من الأمثلة السّابقة انتباه السّامع فدعاه بذكر اسمه،كما في المثال الثّاني[ كواكبُ ] أو صفة من صفاته،[ بنيّ] في المثال الأوّل، بعد حرف يقوم مقام "أدعو"، وهذا هو النداء.
تُسْتَعْمَلُ لنداء القريب الهمزة أو أي. و يُعتمد في نداء البعيد على غيرهما من الأدوات [آ، وآي، وأيا، وهيا، ووا] أمَّا الأداة[يا]فهي مشتركةٌ بين القريب والبعيد و تُميَّزُ بالسّياق. غير أن هناك أسباباً بلاغية تدفع إِلى مخالفة هذا الأصل:
=>> ففي المثال الأَول تجد المنادى فيه بعيداً[ميّتا]، ولكن أمَّهُ نادته مستعملة [أي] الموضوعة لنداء القريب: فقد أرادت أن تُبيِّنَ أن المنادى على الرغم من بعده في المكان، قريب من قلبها حاضر في ذهنها.
قد يستعمل المتكلم أحرف النداء الموضوعة للبعيد لينادي القريب: مثلما هو الشّأن في المثال الرّابع والسّبب أنّ المنادى رفيع المقام و الشأن [أمير المؤمنين] فعبّر المتكلّم عن بُعد درجته في العِظم بما يفيد بعدَ المسافة.وقد يكون تنزيل القريب منزلة البعيد لأسباب أخرى كاعتقاد المتكلم أنّ المُنادى وضيع الشأن حقير[كالحاسد في المثال الخامس] أو هو غافل عن المتكلّم كأنه غير حاضر معه في مكان واحد فيعبّر المتكلم عن تلك المعاني بما يدلّ على البعد في المسافة.
2-معاني النداء المستفادة من السّياق:
قد يخرج أسلوب النداء عن معناها الأصلي و هو طلب الإِقبال، إلى معان أخرى تستفاد من السّياق ، و من هذه المعاني ما يأتي:
أ- الإِغراء كقول شوقي يغري وطنه بالجود عليه بالصّفح ليعود من منفاه:
يا ابنة َ اليمِّ ، ما أبوكِ بخيلٌ
ما له مولع بمنع وحبس(شوقي)
ب- التحسر و التوجع نحو قول الثابّي يعبّر عن أوجاع قلبه:
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
لِ! ياهيكلَ الحَياة ِ الرَّهيبِ!
ت- الزجر كقول عمر يزجُرُ قلبه عن مواصلة التَّعلّق بالحبيب الظّالم:
يا قلبُ ما لك لا تزالُ موكلاً،
تَهْذي بِهِنْدٍ عِنْدَ حِينَ أَوَانِ(عمر)
ث- التّوسّل كما في قول جميل:
أبثين إنك قد ملكـت فأسجحي
وخذي بحظّك من كريـم واصل
ج- التّعظيم كما في قول إيراخت تخاطب مليكها :
« فانطلقت إيراخت فدخلت على الملك فجلست عند رأسه، فقالت: ما الذي بك أيها الملك المحمود.؟ وما الذي سمعت من البراهمة؟ فإني أراك محزوناً. » (ابن المقفّع)
ح- التحبّب كما في نداء الأمّ ابنها:
"قالت أعرابيةً توصِي ولداً لها: أي بني، إياك والنَّمِيمة، فإنها تَزْرَعُ الضغينة، وتفرَق بين المحبّين..."
النّداءُ إنشاءٌ طلبيٌّ يُسْتَعمَلُ في الأصل لطلب إِقْبَال السّامعِ أو تنبيهه بحَرْفٍ يقومُ مقامَ "أَدْعُو".
أدوات النِّدَاءَ ثمان : الْهَمْزَةُ، و"أي"[وهما لنداء القريب]، و"يَا"، و"آ"، و"آي" و"أَيا"، و"هيَا"، و"وا"[وهي لنداء البعيد].
قد يُنَزَّلُ البعيد منزلة القريب فينادى بالهمزة و"أي"، إشارةً إلى قُربه من القلب و حضوره في الذهن. وقد ينزَّل القريب منزلة البعيد فينادى بغير الهمزة و"أي"، إشارةً إلى عُلُوِّ مرتبته، أو انحطاط منزلته، أو غفلته وشرود ذهنه.
يخرج النداء عن معناه الأصلي ليفيد معان أخرى يدلُّ عليها السّياق، كالإِغراء والتحسر الزجر و التّوسّل و التّعظيم و التحبّب.
0 comments:
Post a Comment